في الأيام الأخيرة، أثارت زيارة المستشار الألماني أولاف شولتس إلى الصين اهتماما واسع النطاق في الرأي العام الغربي. وفي 16 إبريل أي اليوم الأخير من زيارة شولتس إلى الصين، التقى الرئيس الصيني شي جين بينغ معه في بكين. وأجرى زعيما البلدين تبادلات متعمقة حول وضع العلاقات الصينية-الألمانية والقضايا الدولية والإقليمية الساخنة.
وأشار الجانب الصيني إلى أن التعاون متبادل المنفعة بين الصين وألمانيا ليس “خطرا”، بل هو ضمان لاستقرار العلاقات الثنائية وفرصة لخلق المستقبل، وأعرب الجانب الألماني عن استعداده لمواصلة تعزيز العلاقات الثنائية مع الصين وتعميق الحوار والتعاون الثنائي في مختلف المجالات. كما أعرب الجانبان عن دعمهما للتجارة الحرة والعولمة الاقتصادية، واستعدادهما للاستجابة المشتركة للتحديات العالمية والحفاظ على السلام والاستقرار العالميين. وهذا يدل بوضوح على أن الصين وألمانيا تشتركان في مواقف متشابهة بشأن العديد من القضايا المهمة ويمكنهما العمل معا لضخ المزيد من الاستقرار واليقين في العالم.
ويصادف هذا العام الذكرى العاشرة لإقامة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين وألمانيا. ومنذ فترة طويلة، حافظ زعيما الصين وألمانيا على اتصال وثيق، مما ضمن النغمة الرئيسية للتعاون المستمر في العلاقات الصينية-الألمانية وعزز التنمية المستقرة للعلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي.
وفي السنوات الأخيرة، شهد المشهد الجيوسياسي العالمي تغيرات عميقة، كما يواجه تطوير العلاقات الصينية الألمانية تحديات. خلال زيارة شولتس هذه إلى الصين، كانت هناك العديد من الضوضاء السياسية في طور التكوين. وبسبب تأثير سياسة الولايات المتحدة لاحتواء الصين ، هناك حجج سلبية مماثلة في أوروبا وحتى في ألمانيا.
ولكن، سواء كانت زيارة المستشار شولتس الحالية إلى الصين أو استعداد مجتمع الأعمال الألماني لتنميتها بعمق في السوق الصينية ،ما يظهر أن أساس العلاقات الصينية الألمانية لا يزال متينا، وأن سياسة الحكومة الألمانية تجاه الصين ككل تظل عقلانية وبراغماتية. حيث يعتقد بعض صناع الرأي العام في ألمانيا أنه سواء كان لألمانيا أن تتعامل مع التحدي المتمثل في تباطؤها الاقتصادي أو حل الأزمة الأوكرانية، فيتعين عليها أن تسعى إلى تعزيز التعاون مع الصين.
وباعتبارهما ثاني وثالث أكبر اقتصاد في العالم، فإن الصين وألمانيا متجذرتان بعمق في سلاسل الصناعة والتوريد، وتعتمد أسواقهما على بعضهما بعضا بشكل كبير، كما أن تعاونهما الاقتصادي يتسم بالمرونة. تعمل حاليا أكثر من 5000 شركة ألمانية في السوق الصينية. ووفقا للبنك المركزي الألماني، ارتفع الاستثمار الألماني المباشر في الصين بنسبة 4.3% على أساس سنوي العام الماضي إلى مستوى قياسي بلغ 11.9 مليار يورو. ووفقا لمكتب الإحصاء الاتحادي الألماني، فإن حجم التجارة الثنائية بين ألمانيا والصين في عام 2023 سيبلغ 253.1 مليار يورو، وتمثل الصين أكبر شريك تجاري لألمانيا في العالم لمدة ثماني سنوات متتالية.
وبغض النظر عن أن بعض الناس في الغرب يدعون إلى “فك الارتباط” و “كسر السلسلة” و “إزالة المخاطر من الصين”، إلا أن العديد من الشركات الألمانية لا تزال متفائلة بشدة بشأن السوق الصينية. ووفقا لاستطلاع مسح ثقة الأعمال الذي أصدرته غرفة التجارة الألمانية في أوائل هذا العام، فإن أكثر من 90 في المائة من الشركات التي شملها الاستطلاع ستواصل القيام بأعمال تجارية في الصين، وتخطط 54 في المائة لزيادة استثماراتها في الصين.
وخلال الاجتماع بين الزعيمين الصيني والألماني، أعرب الجانبان عن معارضتهما للحمائية إضافة الى توقعاتهما لتعزيز التعاون العملي. وأشار الجانب الصيني إلى أنه سواء كانت المجالات التقليدية مثل تصنيع الآلات والسيارات، أو المجالات الناشئة مثل التحول الأخضر والرقمنة والذكاء الاصطناعي، فإن البلدين يتمتعان بإمكانات كبيرة للتعاون المربح للجانبين.
وكلما أصبح العالم أكثر اضطرابا، ازدادت أهمية تعزيز الصين وألمانيا لمرونة وحيوية علاقاتهما، ما يقدم مساهمات أكبر للتعاون بين الصين والاتحاد الأوروبي ويبدد بشكل فعال “الضوضاء” التي تقوض السلام والتنمية العالميين.