محمود علام
يمثل مرور عقدين من الزمان على تأسيس منتدى التعاون العربي- الصيني فرصة لإلقاء نظرة عميقة على جذور هذا التعاون التاريخي، وصولا لما حققه التعاون في إطار المنتدى من إنجازات، وصولا لما يواجهه هذا التعاون من فرص وتحديات سيساهم العمل العربي- الصيني المشترك لمواجهتها في تعميق جذور هذا التعاون، بل وزيادة ثماره لصالح الجانبين ولعالم ذي مستقبل أفضل.
فعلى الرغم من بعد المسافة الجغرافية بين الصين ومنطقة الشرق الأوسط التي تضم في قلبها العالم العربي بدوله الاثنتين والعشرين، فإن التاريخ جمع بين الجانبين من خلال تواصل حضاري يرجع إلى أكثر من 2000 عام، على طريق مشترك امتد لأعماق التاريخ وشهد تفاعل وتبادل العلاقات والمصالح بصورة رسخت في وجدان الشعوب على الجانبين وجود شريك يمكن دائما التواصل معه والاعتماد عليه، وهو ما رسخ الأساس القوي لاستئناف المسيرة في العصر الحديث، بعد التخلص من قيود الاستعمار والتبعية التي فرضت على كل منهما، ليصنعا معا خلال العقود الماضية منظومة وشبكة من التواصل والتعاون المشترك، الذي ينضج ويتطور مع الوقت في إطار شراكة إستراتيجية أبرمت بين معظم هذه الدول وجامعتها العربية وجمهورية الصين الشعبية، لتضع ملامح مستقبل ذي مصير مشترك، خاصة في هذه المرحلة التاريخية التي يشهدها عالمنا وتتطلب صياغة نظام عالمي جديد أكثر توازنا يعكس بشكل أكثر مصالح الدول والشعوب والحضارات التي تم إغفالها في نظام عالمي نشأ في رحم الفترة الاستعمارية، وولد في أعقاب الحرب العالمية الثانية التي شهدت انتصار الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ثم انزلق في مواجهة أخرى في شكل الحرب الباردة، وصولا لما يعيشه العالم اليوم من تحديات تتمثل في تحديات غير مسبوقة، منها التوترات في شرقي آسيا والنزاع في الشرق الأوسط وبين أوكرانيا مدعومة من الغرب وروسيا، والأزمات الاقتصادية وما تفرضه من مواجهات تجارية بين القوى المختلفة وقضايا التغير المناخي والبيئة والتطورات العلمية غير المسبوقة التي سيكون لها أثارها العميقة على مستقبل البشرية وعلاقاتها .
وأرى أنه علينا استعراض بعض ملامح هذه المسيرة المشتركة، وصولا لما حققته العلاقات بين الصين والدول العربية في العصر الحديث، والآفاق والتحديات التي قد تواجه الجانبين وعليهما التعامل معها، وصولا لبناء مستقبل أفضل لشعوبهما والإنسانية جمعاء.
فكما ذكرت، بدأ التواصل بين الأمتين العربية الصينية قبل أكثر من 2000 سنة، حينما انطلق طريق الحرير البري من مدينة تشانغآن عاصمة أسرة هان الصينية مرورا بآسيا الوسطى ومنطقة الرافدين، وامتد إلى سوريا ومصر والمناطق الأخرى، وكذلك طريق التوابل الذي تم شقه لاحقا، فانطلق من مدن قوانغتشو وتشيوانتشو وهانغتشو ويانغتشو ومينغتشو (مدينة نينغبوه حاليا) إلخ، مرورا بمضيق ملقا ومضيق هرمز حتى الوصول إلى عمان واليمن ومصر وسوريا والمناطق الأخرى.
وأصبح طريق الحرير البري وطريق التوابل البحري شريانين مهمين للتواصل بين الحضارتين الشرقية والغربية، حيث انتقلت صناعة الورق والبارود والطباعة والبوصلة من الصين إلى العالم العربي، ومن خلاله إلى أوروبا. كما انتقلت علوم الفلك والتقويم والطب والصيدلة والرياضيات من العالم العربي إلى الغرب وإلى الصين التي أعجب شعبها أيضا بتصميمات المباني والملابس والرسوم بالأسلوب العربي. إن إعجاب الشعب الصيني هو ما رسخ لدى الجانبين الإعجاب والتقدير والانجذاب المشترك. هنا يجب أن أسجل مقولة ترسخت في وجدان العرب المسلمين وهي: “اطلبوا العلم ولو في الصين”، وهي دعوة لا ترسخ قيمة العلم في الإسلام فقط، وإنما أيضا لقيمة الصين في هذا المجال، وهو ما يفسر وصول الإسلام إلى الصين واعتناق العديد من أبناء قوميات مختلفة له في عصر أسرة تانغ، حتى عرف لدى الصينيين بأسماء مختلفة منها “قانون داشي” و”دين الصفاء والنقاء” و “دين الصفاء والحق” وكذلك “دين هوي”.
على الرغم من تمتع كل من الحضارتين العربية والصينية بخصوصيتها ونظامها، فإن فكر وثقافة كل منهما تحتوي على مفاهيم ومساعي مشتركة، فكلتاهما تؤمنان بقيم الوسطية والوئام والسلام والوفاء والتسامح والانضباط الذاتي، وهو ما يخلق الرغبة والحاجة اليوم للعمل معا لإحياء مزيد من القيم الإيجابية في ثقافتنا وتقاليدنا القوية الأصيلة والتي تتماشى مع روح العصر.
فقد شهدت هذه الحقبة التاريخية تبادلا للمبعوثين والرحالة بين الصين والمنطقة العربية التي كانت تسمي “داشي” في اللغة الصينية، وهو ما تم توثيقه في العديد من المؤلفات التاريخية، كما أصبح للتجار والبحارة العرب تواجد على أرض الصين، بل اختار العديد منهم الإقامة بين أهلها، وهو ما شاهدت شخصيا تسجيلا قيما له في متحف تشيوانتشو البحري بمقاطعة فوجيان. ولعل رحلات الملاح الصيني الشهير تشنغ خه وما خلفته من سجلات تؤرخ لهذا التواصل إلى مناطق عربية شملت ظفار العمانية وعدن اليمنية ومكة بالجزيرة العربية ومقديشو بالصومال، بل يشير بعض المؤرخين البحريين لوصول سفن من أسطوله إلى إيطاليا عن طريق مصر.
وقد تجدد اللقاء والتواصل بين الصين والدول العربية في العصر الحديث مع بدء انحسار الموجة الاستعمارية، وتطلع دولنا وشعوبنا لبناء عالم جديد معا يسوده التحرر الوطني والاستقلال، حيث تأسست جمهورية الصين الشعبية عام 1949. وبدأت العديد من الدول العربية وعلى رأسها مصر تتطلع لإعادة بناء جسور التواصل مع الصين الجديدة، حيث مثل لقاء رئيس مجلس الدولة الصيني تشو أن لاي بالرئيس المصري جمال عبد الناصر وممثلي عدد من الدول العربية الذين شاركوا في مؤتمر باندونغ بإندونيسيا عام 1955 فرصة لتبادل الدعم والتأييد في النضال الذي تخوضه العديد من هذه الدول من أجل الدفاع عن كرامة وسيادة شعوبها على أراضيها، وهو ما فتح عهدا جديدا للتواصل الودي والتعاون الوثيق بين الصين والدول العربية في ظل مبادئ عدم الانحياز واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها، وهي ضمن المبادئ الخمسة الشهيرة التي تبنتها الحكومة الصينية. وقد تم إعلان إقامة أول علاقات دبلوماسية عربية مع الصين من جانب مصر في مايو عام 1956 وهو ما فتح الطريق لإقامة مثل هذه العلاقات بين الصين وبقية الدول العربية، وترسخت مع دعم الصين لمصر في مواجهة العدوان الثلاثي في نفس العام ووقوفها بجانب حقوق الشعب الفلسطيني وشعوب الجزائر وتونس والمغرب من أجل تقرير مصيرهم، ثم بوقوف الدول العربية المستقلة إلى جانب الصين لاستعادة مقعدها الشرعي في الأمم المتحدة عام 1971 ودعمها لمبدأ الصين الواحدة وأن تايوان جزء لا يتجزأ من أراضيها.
ثم جاءت مرحلة الحرب الباردة لتؤكد أهمية العلاقات بين الجانبين، لتجنب الاستقطاب بين صراعات القوى الكبرى على حساب الدول الفقيرة والنامية، والحاجة للعمل معا للدفاع عن حقوق هذه الدول وشعوبها في نظام دولي أكثر عدلا وديمقراطية وتعددا في إطار الاحترام لمبادئ الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي المعترف بها في إطار العلاقات الدولية، مع التمسك بمبدأ احترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وحق جميع الدول في المشاركة المتساوية في الشؤون الدولية، بغض النظر عن حجمها أو قيمة ثرواتها.
ومع تنامي الوضع الاقتصادي والدور الجيوسياسي لكل من الصين ومنطقة الشرق الأوسط، ممثلة في إنجازات سياسات الانفتاح والإصلاح في المرحلة الأولى وبدء ظهورها كقوة اقتصادية فاعلة على الساحة الدولية، وتأكد المكانة الإستراتيجية للمنطقة العربية- وخاصة منطقة الخليج- كأكبر مصدر ومورد للطاقة في العالم يتمتع باحتياطي من النفط يتجاوز 55% من الاحتياطي العالمي. إلى جانب ظهور وتطور العولمة الاقتصادية، كل ذلك انعكس في تنامي حجم التبادل التجاري وفرص التعاون الاقتصادي بين الجانين بشكل غير مسبوق، حيث تضاعف بأكثر 620 ضعفا من سبعينات القرن العشرين حتى عام 2010، وزادت الواردات النفطية الصينية من الدول العربية بحوالى 30 ضعفا خلال العقدين من بداية تسعينات القرن العشرين إلى عام 2010 .
ومع تنامي العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الجانبين، برزت الحاجة لوجود آلية دائمة للتنسيق بين الجانبين ليس فقط على المستوى الثنائي وإنما أيضا على مستوى الإقليم العربي ككتلة جغرافية وحضارية ذات مكانة تاريخية وموقع وموارد إستراتيجية مهمة، والصين التي تتقدم بخطى واثقة كقوة اقتصادية وسياسية على الساحة الدولية، ويجمعهما رصيد وأساس راسخ من العلاقات القائمة على التعاون والدعم المشترك القائم على الاحترام المتبادل للسيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
وهنا برز دور جامعة الدول العربية، التي تأسست عام 1945 ومقرها الدائم في القاهرة، لتكون آلية للتنسيق بين جميع أعضائها في جميع المجالات السياسية والاقتصاد وغيرها، وتربطها اتصالات مع الصين منذ إقامة علاقاتها الدبلوماسية مع مصر، لتكون الذراع العربية لتنسيق وتفعيل التعاون مع جمهورية الصين الشعبية، وهو ما تبلور في إنشاء منتدى التعاون العربي- الصيني في عام 2004 الذي يضم جميع الدول العربية والصين.
وقد نجح منتدى التعاون العربي- الصيني خلال مسيرته التي امتدت لعقدين من الزمان في بناء أرضية مشتركة يمكن أن تساهم في تفعيل التعاون الإستراتيجي بين الجانبين وبناء رابطة مصير مشترك، وذلك من خلال أنشطته وآلياته العديدة التي تجاوز عددها 17 آلية رئيسية، ومحافل دورية لبحث مختلف نواحي التعاون بين الجانبين، وتتمثل الآليات الرئيسية في الاجتماع على المستوى الوزاري والذي يعقد كل عامين، والاجتماع على مستوى كبار المسؤولين، والحوار السياسي والإستراتيجي، وندوة العلاقات العربية- الصينية والحوار بين الحضارتين. هذا إلى جانب اجتماعات ولقاءات دورية في مجالات عديدة نذكر منها الاستثمار والأعمال والطاقة والإعلام والتكنولوجيا والإبداع والفنون والمكتبات والمعلومات، إلخ. وتتيح كل هذه المحافل وغيرها الفرصة للحوار وتبادل الخبرات، مما يساهم في تعميق الفهم المشترك وصياغة نماذج للتعاون تساهم في صياغة المستقبل المشترك.
لقد أتاح المنتدى الفرصة ليس فقط لتبادل التأييد والدعم بين الجانبين لقضاياهما الرئيسية مثل وحدة الأراضي الصينية والسيادة على جزيرة تايوان، ودعم حقوق الشعب الفلسطيني ومحورية قضيته لتحقيق الأمن والسلم ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط بل في العالم أجمع، بل أيضا أتاح الفرصة لرسم ملامح المستقبل المشترك من خلال دعم وتفعيل مبادرات مثل “الحزام والطريق” والتنمية والأمن العالميين وبناء أركان المستقبل ذي المصير المشترك، وهو ما سيساعد على بناء نظام عالمي جديد بعيد عن سياسات الهيمنة والمواجهة بين تكتلات اقتصادية وعسكرية على حساب الدول الأقل قدرة، بل حتى على حساب مستقبل الحياة على كوكبنا.
ومع الزخم الذي تشهده العلاقات العربية- الصينية على مختلف الأصعدة، جاء انعقاد القمة العربية- الصينية الأولى بالرياض في ديسمبر 2022 وما أسفرت عنه من نتائج تضمنها بيانها الختامي في مرحلة مهمة للجانبين، وفي ظل تطورات إقليمية ودولية أبرزت أهمية الشراكة الإستراتيجية بين الجانبين ومنها:
- إعادة انتخاب الرئيس شي جين بينغ لفترة ثالثة، ودوره كعلامة فارقة في مسيرة الصين نحو تأكيد مكانتها الدولية في عالم يتجه بخطى حثيثة نحو نظام عالمي جديد؛
- انعقاد القمة العربية في الجزائر، والتي شهدت تقدما في تنظيم الصف العربي (عودة عضوية سوريا، المصالحة القطرية مع دول الخليج ومصر)، وفي السعي لبلورة رؤية للدور والحضور العربي في المشهد الاقليمي والدولي المعقد؛
- التطورات التي تلقي بظلالها وتحدياتها على النظام العالمي، منذ انتشار جائحة كوفيد- 19، ثم الأزمة الأوكرانية وآثارها على إمدادات الطاقة والغذاء في العالم؛
- تزايد الوعى في إطار الشراكة بين الجانبين بأهمية وجود دور صيني في منطقة الشرق الأوسط، بصياغة مختلفة عن السمات التقليدية للدور الغربي والأمريكي أو حتى الحضور الروسي المتأرجح. ومن ناحية أخرى، أهمية المنطقة العربية للصين “مصنع العالم” من الناحية الجيوسياسية والاقتصادية، وكمعبر وممر مهم بين الشرق والغرب ومصدر قادر على توفير احتياجات الصين من الوقود والطاقة، إلى جانب دورها كشريك مهم في بناء نظام عالمي جديد أكثر توازنا من خلال تعدد الأقطاب؛
- كما ذكر الرئيس شي في كلمته أمام جامعة الدول العربية في عام 2016، فإن قضية التنمية يجب أن تمثل أولوية لمنطقتنا. وإن دعم الصين، بما حققته من نجاحات مبهرة في هذا المجال خلال العقود الماضية، لتجارب التنمية الجادة في منطقتنا العربية سيكون له دور تاريخي ليس فقط في ترسيخ العلاقات، وإنما أيضا في خلق نماذج ناجحة تحتاجها منطقتنا ويمكن نقل خبراتها لتأخذ بيد مجتمعات دول شقيقة تسعى للسير على نفس الطريق. ولعل موقف الصين الأخير بدعم انضمام عدد من الدول العربية ومنها مصر لعضوية تجمع بريكس يقف شاهدا على ذلك، إلى جانب الأثر الإيجابي لتشجيع الاستثمارات الصينية على إيجاد قاعدة لها تنقل من خلالها التكنولوجيا والخبرات لأسواق هذه الدول؛
- استكمال بناء مؤسسات منتدى التعاون العربي- الصيني، والتركيز على تفعيل المبادرات والقرارات التي تصدر عنه على أرض الواقع؛
- تعميق المشاركة في بلورة وتفعيل أنشطة تدعم المبادرات التي أطلقتها الصين مثل مبادرة “الحزام والطريق” وبناء رابطة المصير المشترك بين الدول العربية والصين، ومبادرة التنمية العالمية، بصورة تساهم في خلق واقع جديد ليس في العلاقات بين الجانبين فحسب، وإنما أيضا على الساحة الدولية التي تشهد الآن إرهاصات بناء نظام عالمي جديد نأمل أن يتجاوز سلبيات النظام القائم ويساهم في خلق العالم الأفضل الذي نصبو له جميعا؛
- أهمية البناء على أساس ما تم إنجازه من خلال منتدى التعاون العربي- الصيني ومبادرة “الحزام والطريق”.
وإذا كان موضوع الدور والتواجد الصيني في الشرق الأوسط محل جدل وتساؤل بين المراقبين والمحللين لفترات طويلة، فقد تفاوتت الآراء حول ما إذا كانت الصين ستكتفي بتحقيق مصالحها الاقتصادية والتجارية مع دول المنطقة، وأنها لا تسعى لدور سياسي فعال قد يدخلها في مواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية التي طالما اعتبرت أن هذه منطقة نفوذ خالص لها، أم أنها ستبلور دورا خاصا بها يتماشى مع تنامي علاقات الشراكة مع دول المنطقة وفي إطار المبادئ الخمسة التي ضمنتها في وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية التي أصدرتها في مطلع عام 2016، فقد جاء رد الصين الذي يعكس حرصها على القيام بدور يدعم الأمن والتعايش السلمي مع الاحترام المتبادل للسيادة، في النجاح في جهود الوساطة بين المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية التي توصلت لإبرام اتفاق بكين بين الجانبين لاستئناف العلاقات الدبلوماسية على مستوى السفراء، والعمل على تسوية ملفات النزاع المعلقة بينهما بالطرق السلمية. وقد مثل هذا الدور من جانب الصين إنجازا تاريخيا في دور دبلوماسيتها تجاه قضايا المنطقة، خاصة لما يمكن أن يحققه هذا الإنجاز من فتح الطريق لتسوية عدد من القضايا العالقة في المنطقة، ومنها النزاع في اليمن وسوريا، وأخيرا موقفها المبدئي منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر 2023 والقائم على ضرورة تسوية أسباب النزاع بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وهو موقف يؤكد أهلية الدور الذي يمكن أن تقوم به الصين في صياغة النظام العالمي الجديد. كما يعكس استعداد الصين للقيام بأدوار أخرى أكثر فعالية، طالما توافرت الظروف والإرادة التي تسمح بنجاح جهودها.
ويبقي علينا أن نلقي نظرة على الآفاق التي يحملها المستقبل للعلاقات العربية- الصينية، في إطار التعاون المؤسسي القائم في إطار منتدى التعاون العربي- الصيني، استثمارا لما تم إنجازه معا وما ينبغي القيام به معا، استعدادا لمستقبل يحمل فرصا وتحديات عديدة أمام الجانبين والعالم أجمع، ومنها في رأيي ما يلي: - استمرار وقوف الجانبين ودعمهما لبعضهما في القضايا المصيرية التي تساهم في تحقيق الأمن والسلام لهما وفي نطاقهما الجغرافي والعالم أجمع، وعلى رأسها استكمال وحدة الأراضي الصينية بعودة تايوان إلى الوطن الأم، وإيجاد تسوية عادلة تضمن الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني وإقامة دولته المستقلة، إلى جانب تسوية النزاعات الإقليمية الأخرى خاصة تلك التي تؤثر سلبا على الاستقرار والتنمية خاصة في الشرق الأوسط. وهذا ما يدعونا للترحيب بالدور البناء الذي قامت به الصين في تحقيق التقارب السعودي- الإيراني مما كان له أثر إيجابي في المنطقة، وهو ما يعني أنه ببذل مزيد من جهود الوساطة يمكن أن تخرج المنطقة من دائرة النزاع والانقسام لتكون شريكا فاعلا قادرا على تحقيق مصالحة ودعم الطموحات الكبيرة مع الشريك الصيني؛
– ضرورة تكثيف التبادل بين المجتمعات العربية والمجتمع الصيني على كافة المستويات، بما يضمن تعميق التفاهم والمصالح المشتركة، وهو ما يضمن استمرار الروابط الإنسانية والحضارية وصمودها في مواجهة أي تقلبات.
محمود علام، سفير مصر الأسبق لدى الصين.