*بقلم: الأكاديمي مروان موسى سوداح.
**عضو في “نقابة الصحفيين الأُردنيين”، وفي “الفدرالية الدولية للصحفيين”، ويترأس عدة هيئات ومنظمات دولية متعددة التخصصات.
سبق لي في مقالة أولى كنت نُشرتها قبل عدة شهور، أن تناولت مسألة تجديد جوازات السفر لمُرَاجِعي دائرة الجوازات “فرع جبل عمان” تحديداً، حيث ولادتي ويومياتي، ومَسكني، وحياتي، ومستقبلي ومقر عائلتي وأهلي وأحفادي. كتبت تلك المقالة بعنوان لافت هو: “يَحدث في الأُردن فقط: تجديد جواز السفر خلال عشر دقائق”، وهي تتحدث تحديداً عن نشاط ودقة عمل فرع جوازات الواقع في منطقة جبل عَمَّان – الدوار الأول، المجاور لسفارة جمهورية العراق الشقيقة.
بعد كتابتي لمقالتي السابقة، الجزء الأول عن فرع جوازات جبل عَمَّان – الدوار الأول بالتحديد، إتَصَلَ معي عدد غير قليل من أصدقائي وزملائي من الصحفيين والكُتَّاب المَحَليين والمُوَاطِنين، مُؤكدين لي صحَّةِ تقييمي الإيجابي لخبرتي ومشاهداتي العيانيَّة التي تم توثيقها في المقالة الأُولى، التي تتحدث عن سرعة خدمة المواطنين المراجعين لمؤسسة الجوازات بفرع جبل عمّان، وقالوا أن هذا الواقع إنَّمَا يعكس الخبرات العميقة، والهمة العالية، والعمل الدؤوب بالذات لمدير هذا الفرع بجبل عمان، وإخلاصهِ لعملهِ، أذ يتميز بأنه مدير عَملي القسمات، ودائم التنقل والإشراف على مختلف أقسام الفروع وشوؤن المراجعين، مايؤكد نجاح الحكومة الأُردنية في اختيار الرجل المناسب لمكانه المناسب في المؤسسات الرسمية.
في الواقع، كانت منطقة جَبَل عَمَّان البهية والمترامية الأطراف، ومازالت إلى يومنا هذا، وستبقى بالتأكيد مُبْهِرة للجميع من عربٍ وعجمِ وأُوروبيينَ وأمريكيينَ، وكذلك للسياح والمُقِيِمِين من الجنسية الروسية، ولزوار الأُردن من قوميات وأجناس روسيا، الدولة الصديقة والمُتعدِّدَة الأعراق، والتي يَصل عديدها إلى أكثر من 190 مجموعة عِرقية، وهؤلاء يتوافدون سُياحاً على الأُردن بالأُلوف سنوياً وبلا توقف.
هؤلاء الروس، وغيرهم من حَمَلةَ مختلف الجنسيات، هم شريحة مواطنين مِن هُواة السِيّاحة الثقافية والعِلاجيَّ، إذ إنَّهمْ يَستمتعون بزياراتهم المتواصلة صَوب الأردن من مختلف بلدانهم التي تفيض بشتى القومياتِ والجنسياتِ. والمُلاحَظ، أنهم، وفي سبيل التمتع بالتاريخ الأردني العريق الضارب جذوره في أعمق أعماق الجغرافيا الأُردنية والعربية الأصيلة، يَختارون المواقع القديمة، ومنها البنايات العَتيقة والقديمة اللافتةِ للانتباهِ؛ علىَ شاكلةِ بناية فرع الجوازات الجميلة، الواقعة في جبل عمان – منطقة الدوار الأول، ليستمتعوا بها ويُصوروها بكاميراتهم والتقاط الصور التذكارية مع اللوحات الجميلة المُعَلَّقة على أسوار بناية “الجوازات”، والتي تَعْرِضُ بترتيب جمالي لافت للتاريخ الأُردني العريق، والمناسبات الوطنية الأردنية.
هؤلاء السياح الأجانب يستمتعون بنقلات “نفق الزمن الأُردني”، إذ إنهم يَدلفون بأنفسهمِ إلى عُمق التاريخ المَحلي للعرب الأوائل، مِمَّن وُلِدوا في وطننا الأردن، ويَعيش أحفادهم في مربعات جبل عمان الآخاذ.
ذات مرة كُنتُ أقف أمَام مَنزلي القديم والبَهي والمُجاور لمَبنَى الجوازات بفرع جبل عَمَّان، فتقدم نحوي سُيّاح من رجال ونساء وفتيات، وفدوا إلينا من بلدان غرب أوروبا. استفسر هؤلاء مني عن معنى كلمة “الأُردن”، فقلت لهم أنها مُفرَدَة (جوردان) Jordan، التي تتحدَّرمِن جُزئين إثنيِن، كلمة “جور” و كلمة “دان”، وهُمَا الرافدان الشماليان لنهر الأردن العريق، والمُقَدَّس إلهياً خلال كل نقلات التاريخ البشري، والذي شَهِدَ العَمَلانيات الطبيعية ونقلاتها الحاسمة في طَيِّ الأزمان الأرضية واحداً بعد آخر. استمر هؤلاء، خلال نزهة لي معهم بطرح الأسئلة علي، سؤال بعد آخر، ومنها استفساراتهم عن مَبنى الجوازات المُحَاذي لمبنى سفارة جمهورية العراق الشقيقة، إذ تَشي عَمَارة “الجوازات” بأنها عريقة وقديمة البُنيان وجاذبة، ورغبوا بمعرفة ما هو هذا المَبنى، وعمله وتَخَصُّصِهِ، ومعنى مُفردة “عَمَّان” عاصمة المَملَكَة الأُردنيَّة الهاشمية، فشرحتُ لهم ما أعرفه عن هذا المبنى الذي أنا أُعاصره منذ بدء تشييده، و “ما هو”، ومَا هي طبيعة خدماته للمواطنين، ومدى سرعة تقديمها لهم، فأكدتُ لمجموعهم أنها تتم بزمن قياسي يؤشِر، في الواقع اليومي، على نباهةِ وعُمقِ درايةِ وتنظيمِ الدائرةِ على يد مديرها العام، وبالتالي، نجاح تقديم الخدمات للمراجعين المحليين، و التي تتسم بالفورية في هذه المؤسسة الأُردنية العريقة – “الجوازات”، وهو كذلك أمر يُدَلِّلُ على عُمقِ الإحترام الرسمي من الدولة الأُردنية للمواطن الأُردني و وقتهِ وانشغالاتهِ والخ. واصلتُ الشرح لهم، كما طلبوا، بما هو مُثبتٌ في تاريخ الوطن: “عمّان هي مدينة قديمة أقيمت على أنقاض مدينة عَرِفت باسم «رَبَّة عمّون»، ثم «فيلادلفيا»، ثم “عمّان” اشتقاقاً مِن “ربَّة عَمّون”، واتخذها العَمّونيون عاصمة لهم، وبمرورِ الزَّمن أصبحت تُلفَظ “أوردان”.. و”أردن”. وأطلق العرب على هذه المنطقة اسم “الأُردن”، وهي كلمة تعني: “الشدّة والغلَبة”.
يومياً، أُشِاهِدُ مجموعات أجنبية من سُياح “يَعيشون” مؤقتاً في شققٍ تراثية القَسَمَات في جَبَلِ عَمَّان؛ وهي مَبَانٍ ترتبط بتاريخ غزير بعراقتهِ وسحيق زمانياً في أعماقِ التاريخِ للأُردنيين القُدامى والحاليين؛ وتتميز بأنها شِقق وحجارة حَمراء وبَيضاء اللون تفيض بروح التاريخ والأصالة والحضارة الأُردنية. هؤلاء الأجانب يَستأجرون، مؤقتاً الشقق القديمة تحديداً، كونها متدنية التكاليف، ليَستمتعوا بمزيدٍ من الراحة والهدوء في أجواءٍ سعيدةٍ، ملْؤها الفرح والاغتباط بالحضارة المحلية – الشرقية الضاربة جذورها في أعماق تاريخ الوطن الأُردني الحبيب، وفي سبيل أن يَغرفوا المزيدِ والمَزيدِ من هذا التاريخ البديع، والخَلاب والبرَّاق، بل وما وسعهم الجهد من المعلومات والصور لتوثيق المكان الأُردني، ومساحات الوطن الأُردني المترامي الأطراف في ذاكرتهم الجَمعِيَّة، وكذلك لمجمعات الآثار الأُردنية التي تعود بتاريخها إلى الإنسان الأول في سياق الزمن البشري، مايُفسح المَجال رَحبَاً لهم لمعرفة تاريخ المَملكَة الأُردنية الهاشمية، والإلمام الواسع به، بخاصةٍ من خلال المُربعات السكينة – الإثريةِ الكثيرةِ العددِ، والأدلاء السياحيين المحليين، إذ إن هذه العَمَائر تتسمُ بالعراقةِ، والأصالةِ في هذا الجبل الشامخ دوماً، الذي كان ومازال، وسيبقى إن شاء الله، مَركزاً لافتاً للقصورِ والعَمائرِ الهاشميةِ، والبُنىَ الأُردنية – العَربية المُتميَّزةِ القسماتِ، كونها قديمة قِدم التاريخ ذاته، والتي يتم حمايتها مَلكياً منذ تأسيس المَملكة وإلى اليوم، وها هي قد غَدت شهيرة في العَالَم عَبَرَ مختلف قفزات الزمن لكرتنا الأَرضية الدوّارة.
//انتهى//.
…. – ….