.
بقلم: د. ياسين محمد العلي
باحث وخبير اقتصادي
الحرب هي ابتزاز منظم، كانت دائما كذلك، ربما تكون أقدم ابتزاز منظم، والأكثر ربحاً بكثير، والأكثر شراسة بالتأكيد، أعتقد أن أفضل وصف للابتزاز المنظم هو أنه شيء ليس كما يبدو لغالبية الناس، ولا يعرف حقيقته إلا دائرة صغيرة “داخلية” من الناس، ويتم تنفيذه لمصلحة قِلة قليلة من الناس، على حساب الكثيرين. ومن خلال الحرب، يجني قِلة من الناس ثروات ضخمة.
وفي الحروب هناك أغنياء أبرياء يصبحون بين ليلة وضحاها فقراء، وهناك أشقياء عاطلين عن العمل يستجدون قوت يومهم، يصبحون بفضل الحرب والدمار ونهب البيوت أثرياء وعِلية القوم!
الحرب عمل من لا عمل لهم، يعيشون فقط لرفع الشعارات الغوغائية وافتعال الأزمات، حتى إذا حلت المصيبة على مجتمع الأبرياء رفعوا شعار التبرعات لنصب مواقد الطهي واطعام من كانوا يطعمونهم بالأمس القريب!
قاتل الله صُنّاع السلاح ومفتعلي الحروب في كل زمان ومكان! فالحروب دائماً مكاسبها بالدولار وخساراتها بالأرواح!
والحرب هي ثابت من ثوابت التاريخ التي لم تنهها الحضارة أو الديمقراطية، فخلال الـ ٣٤٢١ سنة الماضية من التاريخ المسجل هناك فقط ٢٦٨ سنة فقط لم تشهد حرباً أي ما نسبته فقط ٧٪ من هذا التاريخ المسجل عاشت الشعوب بسلام!
والسلام هو حالة اتزان غير مستقرة لا يُمكن الحفاظ
عليها إلا بِهَيمنة مُعترف بها أو بمساواة في السلطة.
إنه من المعروف عبر التاريخ بأن الصهاينة بدهائهم المفرط يحكمون العالم اليوم وسابقاً..وجميع العوائل التي تتحكم بإقتصاد العالم هم يهود وتلاعبوا بالأديان والشعوب واقتصاديات الدول من خلال الحروب والمجاعات وتعزيز الطائفية وللأسف هناك مثقفون حمقى من مجتمعنا يساعدوهم بذلك من حيث يدرون أو لا يدرون وهم ينشرون على جدرانهم الزرقاء سُّمٌ طائفي برائحة الجهل ليكونوا أدوات لمن يخطط لقسم الشارع في الوطن الواحد لفريقين متخاصمين، كالتي كتبت وساوت بين طائفة مسلمة واليهود وجعلتهم عدواً مشترك لتلك الطائفة المسلمة الأخرى ..أي حِمقٍ هذا وأي جهل هذا ؟
أعود ثانية للحديث عن الاقتصاد والمنافسة، ولأنّ المنافسة هي أصل كل شيء، والمنبع القوي للفكر والابتكارات والمؤسسات والدول،
إنّ القوة الجيواقتصادية تعني تطبيق سياسة القوة بالوسائل الاقتصادية، وهو صراع يتم عبر ساحات التجارة والاستثمار العالميين وليس في ساحة المعركة التقليدية ، هذا النوع من القوة ليس متاح لجميع الدول في عالمنا.
ففي كتاب “الحرب بوسائل أخرى”، يستكشف روبرت بلاكويل وجنيفر هاريس الأدوات الجيواقتصادية الرائدة اليوم والتي اصبحت اسلحة الدول الكبرى التي تستخدمها لاحداث التأثير العالمي، ومن أهم هذه الأسلحة والأدوات هي سياسة التجارة، وسياسة الاستثمار، والعقوبات الاقتصادية والمالية، والسياسة المالية والنقدية، والطاقة والسلع الأساسية، والمساعدات والإنترنت.
وفي حين تعمل بعض الأدوات كما كانت في الماضي (المساعدات)، فإن بعضها الآخر جديد (الإنترنت) أو يعمل في بيئة مختلفة (الطاقة).
إنّ الصراع الجيو اقتصادي غيّر مفاهيم كثيرة من أهمها معنى السيادة التي لم تعد تعني الحدود والأجواء والمياه الاقليمية ولم تعد تعني الحجم وعدد السكان والموارد الطبيعية، بل تعني الالتزام بقوانين الجاذبية الجغرافية الاقتصادية بما في ذلك الحاجة إلى الاكتفاء الذاتي المالي ووجود أصول البنية التحتية المتقدمة والمتنوعة للطاقة والنقل، أصبح الآن ضرورياً لضمان السيادة الفعلية للدولة.
فالصين اليوم تعتبر أهم لاعب في مجال Geoeconomics بعد الولايات المتحدة ولكن بعكس ساحات التنافس الجيوستراتيجي فإنّ ساحات التنافس الجيو اقتصادي فيها لاعبين جدد يغيرون مشهد القوة والنفوذ في العالم دول مثل سنغافورة والهند وكوريا وفي الشرق الاوسط الامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية هذه الدول اليوم تقود الاقتصاد العالمي بطريقة مختلفة عن الولايات المتحدة واوروبا بل وتتفوق في سرعة النمو ومرونة الاسواق على محاور اقتصادية تقليدية.
بالمقابل لا يمكن التغافل عن أنّ الصراع الجيواقتصادي سيكون شرساً إلى الحد الذي سوف تفقد فيه العديد من الدول حتى معنى وجودها الجغرافي الذي كان ضرورة في زمن الصراعات الجيوسياسية التي احتاجت إلى أكبر عدد من الدول والكيانات لكي تحسب مساحات للنفوذ .
اخيراً
افتح خارطة العالم وانظر بتمعن وتجرد ومنطقية بعينك المجردة، وسوف تأخذك إلى دول تهيمن على القارات والبحار والسلاح والتحالفات، ودول أخرى تهيمن على الأسواق والمال والطاقة والاقتصاد والصناعة والابتكار العلمي والتكنولوجي.
وماعداها في هذه الخارطة الواسعة هي عبارة عن بقايا دول بلا معنى..!
هذه الدول التي بلا معنى هي الدول التي لم تكن لاعباً جيوسياسيا في عصر طويل من الهيمنة الجيوسياسية العالمية، وهي أيضاً فشلت في أن تكون لاعباً في عصر انبثاق القوة الجيو-اقتصادية ما بعد انتهاء الحرب الباردة.
لذلك فهي اضاعت كل الفرص في الماضي والحاضر وحتى المستقبل.