
بقلم: ريماس الصينية – صحفية في CGTN العربية

في 27 يوليو 2025، انطلقت جولة جديدة من المحادثات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة في ستوكهولم بالسويد. هذه المحادثات، التي تأتي بعد مفاوضات جنيف ولندن، تمثل لقاءً آخر رفيع المستوى بين المسؤولين الاقتصاديين من البلدين. يتابع المجتمع الدولي هذه المحادثات باهتمام بالغ، على أمل أن تسهم القوتان الاقتصاديتان الكبريان في استقرار الاقتصاد العالمي.
قبيل المحادثات، أعرب وزير الخزانة الأمريكي عن أمله في التوصل إلى “اتفاق محتمل” لتمديد الهدنة التجارية، بينما أكدت وزارة التجارة الصينية مجدداً على مبدأ “الاحترام المتبادل والتعايش السلمي والتعاون المربح للجانبين”. لا تتعلق هذه المحادثات فقط بمدى إمكانية تمديد اتفاق الهدنة التجارية التي على وشك الانتهاء، بل ستؤثر أيضاً على اتجاهات المشهد الاقتصادي والتجاري العالمي في المستقبل.
على مدى السنوات الأخيرة، شهدت العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة تقلبات كبيرة. من حرب تجارية شرسة إلى تخفيف محدود، و مرّ الطرفان بعملية مفاوضات مليئة بالتوتر. كانت محادثات جنيف في مايو 2025، التي أسفرت عن اتفاق لهدنة تجارية لمدة 90 يومًا، نقطة تحول إيجابية. ثم عززت محادثات لندن اللاحقة إطار المشاورات الاقتصادية والتجارية، مما مهد الطريق لاستقرار العلاقات بين البلدين. والآن، تُعتبر الجولة الثالثة من المحادثات في السويد لحظة حاسمة لاختبار قدرة الطرفين على الاستجابة لتطلعات المجتمع الدولي وتعزيز التحسن المستمر في العلاقات الاقتصادية والتجارية.
و الجدير بالذكر أنه مع تغير المشهد الاقتصادي العالمي، يتطلع المجتمع الدولي إلى معالجة الطرفين لقضايا هيكلية أعمق، مثل سياسات الصناعة والدعم، والوصول إلى الأسواق والاستثمار، والمنافسة التكنولوجية وأمن سلاسل التوريد، بدلاً من التركيز فقط على قضية التعريفات الجمركية. يعكس هذا التغيير التطلعات العالمية المشتركة لاستقرار العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة، كما يعني أن “الهدنة” البسيطة لم تعد كافية لتلبية احتياجات الحوكمة الاقتصادية العالمية.
أظهرت الصين ثقة أكبر في هذه المفاوضات، مستمدة هذه الثقة من الأداء القوي للاقتصاد الصيني. تُظهر أحدث البيانات أن الناتج المحلي الإجمالي للصين نما بنسبة 5.3٪ على أساس سنوي في النصف الأول من عام 2025، بزيادة 0.3 نقطة مئوية عن نفس الفترة من العام الماضي؛ بينما بلغ إجمالي حجم التجارة في السلع 21.79 تريليون يوان صيني، بزيادة 2.9٪ على أساس سنوي. في ظل عدم اليقين الكبير الذي يواجه الاقتصاد العالمي، يوفر متانة الاقتصاد الصيني دعماً قوياً للمفاوضات، كما يستجيب لتطلعات المجتمع الدولي نحو النمو الاقتصادي المستقر. وكما قال الخبراء، فإن إنجازات التنمية الصينية هي ثمرة العمل الجاد للشعب الصيني، ولن تضحي الصين بمصالحها الأساسية، كما أنها ملتزمة دائماً بإيجاد الحلول من خلال الحوار.
ومع ذلك، يجب أن ندرك بوضوح أن التناقضات الهيكلية في العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة لا تزال قائمة. لم يتغير التوجه الاستراتيجي للولايات المتحدة تجاه الصين جوهرياً، وتزداد حدة المنافسة في المجال التكنولوجي، بينما تستمر المنافسة على قيادة القواعد الاقتصادية والتجارية العالمية. تعني هذه المشاكل العميقة أنه حتى إذا حققت هذه الجولة من المحادثات نتائج إيجابية، فإن التطور المستقر للعلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة الذي يتطلع إليه المجتمع الدولي سيظل يواجه اختبارات طويلة الأمد. تكمن النقطة الرئيسية في قدرة الطرفين على إقامة آلية اتصال مستدامة، وتجنب سوء الفهم وتصعيد المواجهة، وهو ما يتماشى مع المصالح المشتركة لجميع الدول.
تعلمنا تجارب التاريخ أن المواجهة لا تنتج منتصرين، وأن التعاون هو الطريق الصحيح. كأكبر اقتصادين في العالم، يعد استقرار العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة أمراً بالغ الأهمية للاقتصاد العالمي. في الوقت الحالي، يعاني الاقتصاد العالمي من انتعاش ضعيف وتتصاعد النزاعات الجيوسياسية، مما يجعل المجتمع الدولي أكثر حاجة من أي وقت مضى إلى تعزيز التنسيق والتعاون بين الاقتصادات الكبرى. يمكن للصين والولايات المتحدة، مع التمسك بمواقفهما المبدئية، و أن تجدا مساحات للتعاون في قضايا عالمية مثل تغير المناخ والصحة العامة. هذا الموقف العملي لا يتماشى فقط مع المصالح الأساسية لشعبي البلدين، بل يستجيب أيضاً لتطلعات المجتمع الدولي نحو التنمية الاقتصادية العالمية المستقرة.
بالنظر إلى المستقبل، لن يكون طريق تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة سهلاً، لكن المجتمع الدولي يتطلع بشكل عام إلى أن يصبح الحوار والتعاون تيار رئيسيا. تمثل محادثات السويد فرصة مهمة، وينبغي على الطرفين اغتنامها لضخ المزيد من الاستقرار في علاقاتهما الاقتصادية والتجارية. ستواصل الصين المشاركة في التعاون الدولي بموقف منفتح، مع الحفاظ بحزم على حقوقها ومصالحها التنموية. في ظل التعديلات العميقة في المشهد الاقتصادي العالمي اليوم، يتطلع المجتمع الدولي إلى أن تظهر الصين والولايات المتحدة حكمة وشجاعة أكبر، لإدارة الخلافات في إطار المنافسة، والسعي لتحقيق نتائج مربحة للجانبين في إطار التعاون، والعمل معاً على بناء نظام حوكمة الاقتصاد العالمي الذي يتوافق مع تطلعات جميع الأطراف.
لن تؤثر نتائج هذه المحادثات فقط على التطور الاقتصادي المستقبلي للبلدين، بل ستترك أيضاً أثراً عميقاً على استقرار سلاسل التوريد العالمية. في ظل زيادة عدم اليقين الاقتصادي العالمي، يواصل المجتمع الدولي التطلع إلى أن تظهر الصين والولايات المتحدة مسؤولياتهما كقوتين عظميين، وتسوية الخلافات من خلال الحوار البناء، وتعزيز اليقين في انتعاش الاقتصاد العالمي ونموه .