
بقلم فادي زواد السمردلي

ظاهرة نلاحظها في تعامل بعض الأشخاص الذين يظهرون في صدارة المشهد في مجالي العمل العام والخاص، حيث يتفاخرون بمناصبهم السابقة والقابهم وكأن الزمن توقف لديهم عند تلك الحقبة فنقول لهم مللناكم ومللنا قولكم “كنت باشا” أو “كنت معالي” أو “كنت عطوفة”، فالألقاب لا تضيف للعمل شيئًا، ولا تساعد في مواجهة التحديات فمن يعيش على أمجاد الماضي ويتغنى بألقابه ومنصبه القديم، يقف صنما في مكانه بينما العالم من حوله يتقدم سريعًا فالاعتماد على الماضي والذكريات يعيق الإبداع والتطور، ويجعل الشخص عاجزًا عن مواجهة مشكلات الحاضر واستشراف المستقبل فالعمل لا يحتمل هذه العقلية الجامدة، لأنه ليس مكانًا للتفاخر الشخصي ولا أرشيفًا يعرض الماضي، بل هو ميدان حقيقي يتطلب جهدًا مستمرًا وإنجازًا ملموسًا لأجل الوطن ومنظومة العمل.
فحين يُبنى العمل على الألقاب والتفاخر، فإنه يتحول إلى منظومة هشه مشلولة غير منتجة، تستهلك الوقت والطاقة في التغني بالماضي والذي قد يكون ماضيا مزيفا او غير مستحق فالذي يعتمد على ماضيه كمصدر للقوة والشرعية يضع نفسه خارج دائرة التأثير، لأن الألقاب قد تُبهج لوهلة لكنها لا تصنع فرقاً فالمواطن الذي ينتظر حلولاً لتحسين حياته لا تهمه ألالقاب ، بقدر ما يهمه الأفعال الملموسة فالتاريخ مليء بأسماء أصحاب ألقاب رنانة، لكننا بالكاد نتذكرهم، لأنهم لم يتركوا بصمة حقيقية وبالمقابل، نتذكر من عمل بجد وإخلاص، ومن حمل هموم الناس على عاتقه دون أن يبحث عن المجد الشخصي.
من يعتمد على الماضي كمرجعية وحيدة هو شخص مهزوز لا يستطيع التعامل مع الحاضر فالعالم اليوم يتغير بوتيرة متسارعة، والتحديات التي تواجه المجتمعات أصبحت أعقد من أي وقت مضى ومن يتوقف عند الماضي لا يمتلك القدرة على مواكبة هذه التغيرات، لأن عقله محاصر بإنجازات مضت وألقاب فقدت قيمتها وبريقها ففي العمل، هذا النوع من التفكير لا يؤدي فقط إلى الجمود والانحدار، بل يُضعف ايضا المؤسسات بأكملها فعندما يرى العاملون في أي منظومة أن قادتهم منشغلون بالتفاخر بدلاً من العمل، تتراجع الحماسة وينتشر الإحباط، وتصبح النتيجة انهياراً تدريجياً في الأداء.
إن الاعتماد على الألقاب وحدها في العمل يشبه بناء بيت من ورق فقد يبدو البيت جميلاً من الخارج، لكنه ينهار عند أول اختبار حقيقي فالقائد أو المسؤول الذي ينشغل بالماضي لا يملك القدرة على الابتكار، ولا يدفع فريقه للتقدم فالألقاب قد تفتح الأبواب، لكنها لن تُبقيها مفتوحة إذا لم تكن مدعومة بعمل جاد وإنجازات حقيقية فالقيادة ليست صفة تُكتسب بالماضي فقط، بل هي فعل مستمر يتجدد مع كل تحدٍ جديد.
الأوطان تحتاج إلى قادة ومسؤولين يعملون بجد، لا إلى أولئك الذين يكتفون بالحديث عن أمجادهم السابقة فالشخص الذي يركن إلى ألقابه القديمة يُصبح عبئاً ثقيلا على منظومة العمل بدلا من أن يكون أداة لرفعها فالعمل مسؤولية مستمرة تتطلب التطويراً دائماً، ومتابعة دقيقة، وإيجاد حلول عملية للتحديات التي تواجههم لإن من يتوقف عند الماضي يفقد القدرة على الإبداع، ومن يفقد الإبداع يفقد صلاحيته كقائد ويصبح منتهي الصلاحية للوطن والمنظومة ويجب القاءه خارجا.
إن الحل الوحيد للنهوض بمنظومة العمل هو استبدال ثقافة التفاخر بثقافة الإنجاز فالمسؤول الحقيقي هو من يدرك أن الألقاب لا تصنع التاريخ، وأن الفعل والعمل هما المعيار الحقيقي للنجاح فلن يُذكر التاريخ من جلس على كرسي المنصب يتباهى بلقبه، بل سيُذكر من استغل منصبه لخلق تغيير إيجابي حقيقي فدعونا نترك الحديث عن الماضي، ونبدأ العمل على الحاضر والمستقبل فما يبقى للإنسان في النهاية ليس لقبه، بل أثره في حياة الآخرين.